فصل: ** رزَقَ يَرزُق، رَزْقًا، فهو رازِق، والمفعول مَرْزوق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معجم اللغة العربية المعاصرة



.تفسير الآيات (7- 14):

{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14)}
{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} جوابٌ للقسمِ أيْ إنَّ الذي تُوعدونَهُ من مجيءِ القيامةِ كائنٌ لا محالةَ {فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ} مُحيتْ ومُحقتْ أو ذُهبَ بنورِها {وَإِذَا السماء فُرِجَتْ} صُدعتْ وفُتحتْ فكانتْ أبواباً. {وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ} جُعلتْ كالحبِّ الذي يُنسفُ بالمنسفِ، ونحوهُ {وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً} وقيل: أُخذتْ منْ مقارِّها بسرعةٍ من انتسفتَ الشيءَ إذا اختطفتَهُ. وقرئ: {طُمِّستْ} و{فُرِّجتْ} و{نُسِّفتْ} مشددةً {وَإِذَا الرسل أُقّتَتْ} أي عُيِّنَ لهُم الوقتُ الذي يحضرونَ فيه للشهادةِ على أممهِم وذلكَ عند مجيَّتِه وحضورهِ إذْ لا يتعينُ لهم قيلَه أو بلغُوا الميقاتَ الذي كانُوا ينتظرونَهُ وقرئ: {وُقِّتتْ} على الأصلِ وبالتخفيفِ فيهما {لايّ يَوْمٍ أُجّلَتْ} مقدرٌ بقولٍ هُو جوابٌ لإذا في قولِه تعالى: {وَإِذَا الرسل أُقّتَتْ} أو حالٌ من مرفوعِ أقتت أي يقالُ لأيِّ يومٍ أُخرت الأمورُ المتعلقةُ بالرسل والمرادُ تعظيمُ ذلكَ اليومِ والتعجيبُ من هولِه. وقوله تعالى: {لِيَوْمِ الفصل} بيانٌ ليومِ التأجيلِ وهو اليومُ الذي يُفصلُ فيهِ بينَ الخلائقِ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل} مَا مبتدأٌ أدراكَ خبرُهُ أيْ أيُّ شيءٍ جعلَكَ دارياً ما هُو فوضعَ الضميرِ يومَ الفصلِ لزيادةِ تفظيعٍ وتهويلٍ على أنَّ مَا خبرٌ ويومُ الفصلِ مبتدأٌ لاَ بالعكسِ كما اختارَهُ سيبويِه لأنَّ محطَّ الفائدةِ بيانٌ كونِ يومِ الفصلِ أمراً بديعاً هائلاً لا يُقادرُ قَدُرُه ولا يُكتنُه كُنْههُ كَما يفيدُه خبريةُ ما لاَ بيانُ كونِ أمرٍ بديعٍ من الأمورِ يومَ الفصلِ كما يُفيده عكْسُه.

.تفسير الآيات (15- 23):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} أيْ في ذلكَ اليومِ الهائلِ. وويلٌ في الأصلِ مصدرٌ منصوبٌ سادٌّ مسدَّ فعلِه لكنْ عُدلَ بهِ إلى الرفعِ للدلالةِ على ثباتِ الهلاكِ ودوامِه للمدعوِّ عليهِ ويومئذٍ ظرفُه أو صفتُه.
{أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين} كقومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ لتكذيبِهم بهِ. وقرئ: {نَهلكَ} بفتحِ النونِ من هلَكَه بمعنى أهلَكَه {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الأخرين} بالرفعِ على ثمَّ نحنُ نتبعُهم الآخرينَ من نظرائِهم السالكينَ لمسلكِهم في الكفرِ والتكذيبِ وهُو وعيدٌ لكفارِ مكةَ. وقرئ: {ثمَّ سنُتبعُهم}، وقرئ: {نُتبعْهُم} بالجزمِ عطفاً على نُهلك فيكونُ المرادُ بالآخرينَ المتأخرينَ هلاكاً من المذكورينَ كقومِ لوطٍ وشعيبٍ ومُوسى عليهم السَّلامُ. {كذلك} مثلَ ذلكَ الفعلِ الفظيعِ {نَفْعَلُ بالمجرمين} أي سنَّتُنا جاريةٌ على ذلكَ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ} أيْ يومُ إذْ أهلكناهُم {لّلْمُكَذّبِينَ} بآياتِ الله تعالَى وأنبيائِه وليسَ فيه تكريرٌ لما أنَّ الويلَ الأولَ لعذابِ الآخرةِ وَهَذا لعذابِ الدُّنيا {أَلَمْ نَخْلُقكُّم} أي ألم نُقدرْكُم {مّن مَّاء مَّهِينٍ} أي من نُطفةٍ قذرةٍ مهينةٍ {فجعلناه فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} هو الرحمُ {إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} إلى مقدارٍ معلومٍ من الوقتِ قدَّرهُ الله تعالَى للولادةِ تسعةَ أشهرٍ، أو أقلَّ منها أو أكثرَ {فَقَدَرْنَا} أي فقدرناهُ وقد قرئ مُشدداً أو {فقدرنا} على ذلكَ على أنَّ المرادَ بالقُدرةِ ما يقارنُ وجودَ المقدورِ الفعلِ {فَنِعْمَ القادرون} أي نحنُ.

.تفسير الآيات (24- 30):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30)}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بقدرتِنا على دلكَ أو على الإعادةِ {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً} الكِفاتُ اسمُ مَا يكْفِتُ أيْ يضمُّ ويجمعُ من كفتَ الشيءَ إذا ضمَّه وجمعَهُ كالضِّمامِ والجِماعِ لما يضمُّ ويجمعُ أي ألم نجعلْها كِفاتاً تكفتُ {أَحْيَاء} كثيرةً على ظهرها {وأمواتا} غيرَ محصورةٍ في بطنِها وقيلَ هُو مصدرٌ نُعِتَ به للمبالغةِ، وقيلَ جمعُ كافتٍ كصائمٍ وصيامٍ، أو كِفت وهو الوعاءُ أجرى على الأرض باعتبار بقاعها، وقيل: تنكيرُ أحياءً وأمواتاً لأنَّ أحياءَ الإنسِ وأمواتَهم بعضُ الأحياءِ والأمواتِ، وقيلَ: انتصابُهما على الحاليةِ من محذوفٍ أي كفاتاً تكفتكُم أحياءٌ وأمواتاً {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ} أي ثوابتَ {شامخات} طوالاً شواهقَ، ووصفُ جمعِ المذكِر بجمعِ المؤنثِ في غيرِ العقلاءِ مُطَّردٌ كداجنٍ ودواجنٍ وأشهرٌ معلوماتٌ وتنكيرُها للتفخيمِ أو للإشعارِ بأنَّ فيها ما لم يُعرفْ {وأسقيناكم مَّاء فُرَاتاً} بأنْ خلقنَا فيها أنهاراً ومنابعَ.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بأمثالِ هذه النعمِ العظيمةِ {انطلقوا} أي يقالُ لهم يومئذٍ للتوبيخِ وللتقريعِ انطلقُوا {إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} في الدُّنيا من العذابِ {انطلقوا} خُصوصاً {إلى ظِلّ} أي ظِل دُخانِ جهنَّمَ، كقولِه تعالَى: {وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} وقرئ: {انطَلقُوا} على لفظِ الماضِي إخباراً بعدَ الأمرِ عن عملِهم بموجبِ لاضطرارِهم إليه طوعاً أو كرهاً. {ذِى ثلاث شُعَبٍ} يتشعبُ لعِظمه ثلاثَ شُعبٍ كَما هُو شأنُ الدُّخانِ العظيمِ، تراهُ يتفرقُ ذوائبَ وقيلَ: يخرجُ لسانٌ من النار فيحيطُ بالكفارِ كالسُّرادقِ ويتشعبُ من دُخَانِها ثلاثُ شعبٍ فتظلهُم حتى يُفرغَ من حسابِهم والمؤمنونَ في ظلَ العرشِ، قيلَ: خُصوصيةُ الثلاثِ إما لأنَّ حجابَ النفسِ عن أنوارِ القدسِ الحسُّ والخيالُ والوهمُ أو لأنَّ المؤدِّي إلى هذا العذابِ هوا القوةُ الوهميةُ الشيطانيةُ الحَّالةُ في الدماغِ والقوةُ الغضبيةُ السبعيةُ التي عن يمينِ القلبِ والقوةُ الشهويةُ البهيميةُ التي عن يسارِه ولذلكَ قيلَ: تقفُ شعبةٌ فوقَ الكافرِ وشعبةٌ عن يمينِه وشعبةٌ عن يسارِه.

.تفسير الآيات (31- 38):

{لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38)}
{لاَّ ظَلِيلٍ} تهكمٌ بهم أُو ردٌ أوهمَه لفظُ الظلِّ. {وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب} أي غيرُ مغنٍ لهم من حرِّ اللهبِ شيئاً {إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كالقصر} أي كلُّ شررةٍ كالقصرِ من القصورِ في عِظَمِها وقيلَ: هو الغليظُ من الشجر، الواحدةُ قصرةٌ نحو جَمْرٍ وجمرةٍ، وقرئ: {كالقَصَرِ} بفتحتينِ وهي أعناقُ الإبلِ أو أعناقُ النخلِ نحو شجرةٍ وشجرٍ، وقرئ: {كالقُصُر} بمعنى القصور كرهن ورهُن وقرئ: {كالقصر} جمع قصرة {كَأَنَّهُ جمالة} قيلَ: هو جمعُ جملٍ والتاءُ لتأنيثِ الجمعِ يقالُ جملٌ وجمالٌ وجمالةٌ وقيلَ: اسمُ جمعٍ كالحجارةِ {صُفْرٌ} فإنَّ الشرارَ لما فيهِ من الناريةِ يكونُ أصفرَ وقيلَ: سودٌ لأن سوادَ الإبلِ يضربُ إلى الصفرةِ والأولُ تشبيهٌ في العظمِ، وهذا في اللونِ والكثرةِ والتتابعِ والاختلاطِ والحركةِ، وقرئ: {جمالاتٌ} جمعُ جمالٍ أو جمالةٍ، وقرئ: {جَمالاتٌ} جمعُ جَمالةٍ وقد قرئ بها وهي الحبلُ العظيمُ من حبال السفنِ وقلوسِ الجسورِ والتشبيهُ في امتدادِه والتفافهِ.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ * هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} إشارةٌ إلى وقتِ دخولِهم النارَ أيْ هذا يومُ لا ينطقونَ فيه بشىءٍ لما أنَّ السؤالَ والجوابَ والحسابَ قدْ انقضتْ قبلَ ذلكَ ويومُ القيامةِ طويلٌ له مواطنُ ومواقيتُ ينطقونَ في وقتٍ دُونَ وقتٍ فعبَّر عن وقت بيومُ أو لا ينطقونَ بشيءٍ ينفعُهم فإن ذلكَ كلاَ نطقٍ وقرئ بنصبِ اليومِ أيْ هَذا الذي فُصِّلَ واقعٌ يومَ لا ينطِقون {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} عطفٌ على يُؤذنُ مُنتظمٌ في سلكِ النفي أيْ لا يكونُ لهم إذنٌ واعتذارٌ متعقبٌ له من غير أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن كما لو نصب {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ * هذا يَوْمُ الفصل} بين الحقِّ والباطلِ والمحقِّ والمبطلِ {جمعناكم} خطابٌ لأمة محمدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. {والأولين} من الأممِ وهذا تقريرٌ وبيانٌ للفصل.

.تفسير الآيات (39- 48):

{فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)}
{فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} فإن جميعَ من كنتُم تقلدونهم وتقتدونَ بهم حاضرونَ وهذا تقريعٌ لهم على كيدِهم للمؤمنينَ في الدُّنيا وإظهارٌ لعجزِهم {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} حيثُ ظهرَ أنْ لا حيلةَ لهم في الخلاصِ من العذابِ.
{إِنَّ المتقين} من الكفرِ والتكذيبِ {فِى ظلال وَعُيُونٍ * وفواكه مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي مستقرونَ في فنونِ الترفِه وأنواعِ التنعمِ {كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} مقدرٌ بقولٍ هو حالٌ من ضمير المتقينَ في الخبر أي مقولاً لهم كلُوا واشربُوا هنيئاً بما كنتُم تعملونَهُ في الدُّنيا من الأعمال الصالحةِ {إِنَّا كَذَلِكَ} الجزاءِ العظيمِ {نَجْزِى المحسنين} أيْ في عقائدِهم وأعمالِهم لا جزاءً أَدْنَى منْهُ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} حيثُ نالَ أعداؤُهم هذا الثوابَ الجزيلَ وهُم بقُوا في العذاب المخلَّدِ الوبيلِ {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} مقدرٌ بقولٍ هو حالٌ من المكذبينَ أي الويلُ ثابتٌ لهم مقولاً لهم ذلكَ تذكيراً لهم بحالِهم في الدُّنيا وبما جنَوا على أنفسِهم من إيثارِ المتاعِ الفانِي عن قريبٍ على النعيمِ الخالدِ وعللَ وذلكَ بإجرامِهم دلالةً على أنَّ كلَّ مجرمٍ مآلهُ هَذا، وقيلَ: هو كلامٌ متسأنفٌ خُوطبَ به المكذبونَ في الدُّنيا بعدَ بيان مآلِ جالِهم وقررَ ذلكَ بقوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} لزيادة التوبيخِ والتقريعِ {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا} أي أطيعُوا الله واخشعُوا وتواضعُوا له بقبولِ وحيهِ واتباعِ دينهِ وارفضُوا هذا الاستكبارَ والنخوةَ {لاَ يَرْكَعُونَ} لا يخشعُون ولا يقبلُون ذلكَ ويصرونَ على ما هُم عليهِ من الاستكبارِ، وقيلَ: إذَا أُمروا بالصَّلاةِ أو الركوعِ لا يفعلونَ إذْ رُويَ أنه نزلَ حينَ أُمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثقيفاً بالصَّلاةِ فقالُوا لا نَجبى فإنَّها مسبَّةً علينا فقالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لا خيرَ في دينٍ ليس فيه ركوعٌ ولا سجودٌ» وقيلَ: هُو يومَ القيامةِ حينَ يُدعونَ إلى السجودِ فَلا يستطيعونَ.

.تفسير الآيات (49- 50):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} وفيه دلالةٌ على أنَّ الكفارَ مخاطبونَ بالفروع في حقِّ المؤاخذةِ {فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ} أي بعدَ القرآنِ الناطقِ بأحاديثَ الدارينِ وأخبارِ النشأتينِ على نمطٍ بديعٍ مُعجزٍ مؤسسٍ على حججٍ قاطعةٍ وبراهينَ ساطعةٍ. {يُؤْمِنُونَ} إذَا لم يُؤمنُوا بهِ. وقرئ: {تُومنونَ} على الخطابِ.
عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ سورةَ والمرسلاتِ كتبَ لَهُ أنَّه ليسَ من المشركينَ».

.سورة النبأ:

.تفسير الآيات (1- 4):

{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4)}
{عَمَّ} أصله عَمَّا فحذفَ منه الألفُ إمَّا فرقاً بينَ ما الاستفهاميةِ وغيرِها أو قصداً للخفةِ لكثرةِ استعمالِها. وقد قرئ على الأصلِ. وما فيهَا منَ الإيهامِ للإيذانِ بفخامةِ شأنِ المسؤولِ عنْهُ وهولِهِ وخروجِه عنْ حدودِ الأجناسِ المعهودةِ. أيْ عنْ أيِّ شيءٍ عظيمٍ الشأنِ {يَتَسَاءلُونَ} أيْ أهلُ مكةَ وكانُوا يتساءلونَ عن البعثِ فيما بينهم ويخوضونَ فيه إنكاراً واستهزاءً لكنْ لا على طريقةِ التساؤلِ عن حقيقتِه ومسمَّاهُ بلْ عن وقوعِه الذي هو حالٌ من أحوالِه ووصفٌ من أوصافِه. فإنَّ مَا وإنْ وضعتْ لطلبِ حقائقِ الأشياءِ ومسمياتِ أسمائِها كما في قولك ما الملَكُ وما الروحُ لكنَّها قد يُطلبُ بَها الصفةُ والحالُ تقولُ ما زيدٌ فيقال عالمٌ أو طبيبٌ وقيل: كانُوا يسألونَ عنه الرسولَ عليه الصلاةُ والسلامُ والمؤمنينَ استهزاءً كقولِهم يتداعونهم أو يدعونهم وتحقيقُه أنَّ صيغةَ التفاعلِ في الأفعالِ المتعديةِ موضوعةٌ لإفادةِ صدورِ الفعلِ عن المتعددِ ووقوعِه عليهِ بحيثُ يصيرُ كلُّ واحدٍ من ذلكَ فاعلاً ومفعولاً معاً لكنَّه يرفعُ بإسنادِ الفعلِ إليه ترجيحاً لجانبِ فاعليتِه ويحالُ بمفعوليتِه على دلالةِ العقلِ كما في قولِك تراءَى القومُ أيْ رَأَى كلُّ واحدٍ منُهم الآخرَ وقد تجردَ عن المعنى الثانيِ فيرادُ بها مجردُ صدورِ الفعلِ عن المتعددِ عارياً عن اعتبارِ وقوعِه عليهِ فيُذْكر للفعلِ حينئذٍ مفعولٌ متعدد كمَا في المثالِ المذكورِ أو واحدٌ كما قي قولِك تراءَوا الهلالَ، وقد يحذفُ لظهورهِ كما فيما نحنُ فيهِ فالمَعْنى عن أيِّ شيءٍ يسألُ هؤلاءِ القومُ الرسولَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والمؤمنينَ، وربَّما تجردَ عن صدورِ الفعلِ عن المتعددِ أيضاً فيرادُ بها تعددُه باعتبارِ تعددِ متعلَّقِه مع وحدةِ الفاعلِ كما في قولِه تعالَى: {فَبِأَىّ الاء رَبّكَ تتمارى} وقولُه تعالى: {عَنِ النبإ العظيم} بيانٌ لشأن المسؤولِ عنْهُ إثرَ تفخيمِه بإيهام أمرِه وتوجيِه أذهانِ السامعينَ نحوَه وتنزيلِهم منزلَه المستفهمينَ فأن إيرادَهُ عن طريقةِ الاستفهامِ من علاَّمِ الغيوبِ للتنبيهِ على أنَّه لانقطاعِ قرينِه وانعدامِ نظيرِه، خارجٌ عن دائرةِ علومِ الخلقِ، خليقٌ بأنْ يُعتنى بمعرفتِه ويُسألَ عنْهُ كأنَّه قيلَ عنْ أيِّ شيءٍ يتساءلُون هلْ أُخبرِكُم بِه ثمَّ قيلَ بطريقِ الجوابِ عن النبأِ العظيمِ على منهاجِ قولِه تعالى: {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} فعنْ متعلقةٌ بما يدلُّ عليهِ المذكورُ من مضمرٍ حقُّه أنْ يقدرَ بعدَها مسارعةً إلى البيانِ ومراعاةً لترتيبِ السؤالِ هذا هو الحقيقُ بالجزالةِ التنزيليةِ، وقد قيلَ هي متعلقةٌ بالمذكورِ وعمَّ متعلقٌ بمضمرٍ مفسرٍ بهِ وأيدَّ ذلكَ بأنَّه قرئ: {عَمَّه} والأظهرُ أنَّه مبنيٌّ على إجراءِ الوصلِ مُجرى الوقفِ، وقيل: عن الأُولى للتعليل كأنَّه قيلَ: لمَ يتساءلونَ عنِ النبأِ العظيمِ. وقيل قبل عن الثانية استفهام مضمر كأنه قيل عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم والنبأُ الخبرُ الذي له شأنٌ وخطرٌ وقد وصفَ بقولِه تعالى: {الذى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} بعد وصفِه بالعظيم تأكيداً لخطره إثرَ تأكيدٍ، وإشعاراً بمدار التساؤلِ عنه، وفيهِ متعلقٌ بمختلفونَ قدم عليه اهتماماً به ورعايةً للفواصلِ، وجعلُ الصلةِ جملةً اسميةً للدلالةِ على الثباتِ أي هُم راسخونَ في الاختلافِ فيهِ فمِن جازمٍ باستحالته يقولُ: {إِنْ هي إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} وشاكَ يقول {ما ندري ما الساعة إن نظن إلاَّ ظناً وما نحن بمستيقنين} وقيلَ: منهُم من ينكرُ المعادَينِ معاً كهؤلاءِ، ومنهُم مَنْ ينكرُ المعادَ الجسمانيَّ فقطَّ كجمهور النَّصارى، وقد حُملَ الاختلافُ على الاختلافِ في كيفيةِ الإنكارِ فمنْهُم مَنْ ينكرُه لإنكارِه الصانعَ المختارَ، ومنهُم مَنْ يُنكرهُ بناءً على استحالة المعدومِ بعينه، وحملُه على الاختلاف بالنَّفي والإثباتِ بناءً على تعميم التساؤلِ لفريَقيْ المسلمينَ والكافرينَ على أنَّ سؤالَ الأولينَ ليزدادُوا خشيةً واستعداداً وسؤالَ الآخرينَ ليزدادُوا كُفراً وعناداً يردُّه قولُه تعالى: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} إلخ فإنَّه صريحٌ في أنَّ المرادَ اختلافُ الجاهلينَ بهِ، المنكرينَ له إذْ عليه يدورُ الردعُ والوعيدُ لا على خلاف المؤمنينَ لهم وتخصيصُهما بالكفرة بناءً على تخصيص ضميرِ سيعلمونَ بهم مع عموم الضميرينِ السابقينِ للكلِّ ممَّا ينبغِي تنزيُه التنزيلِ عن أمثالِه هَذا ما أدَّى إليه جليلُ النظرِ والذي يقتضيِه التحقيقُ ويستدعيهِ النظرُ الدقيقُ أنْ يحملَ اختلافُهم على مخالفتِهم للنبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بأنْ يُعتبرَ في الاختلافِ محضُ صدورِ الفعلِ عن المتعددِ حسبَما ذُكرَ في التساؤلِ فإنَّ الافتعالَ والتفاعلَ صيغتانِ مُتآخيتانِ كالاستباقِ والتسابقِ والانتضالِ والتناضلِ إلى غيرِ ذلكَ يجري في كلَ منَها ما يَجْري في الأُخرى لا على مخالفةِ بعضهِم لبعضٍ من الجانبينِ لأنَّ الكُلَّ وإنِ استحقَ الردعَ والوعيدَ لكنَّ استحقاقَ كلِّ جانبٍ لهُما ليسَ لمخالفتِه للجانبِ الآخرِ إذْ لا حقيّةٌ في شيءٍ منهُمَا حتَّى يستحقَّ مَن يخالفُه المؤاخذةَ بل لمخالفتِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فكَلاَّ ردعٌ لهم عن التساؤلِ والاختلافِ بالمعنيينِ المذكورينِ وسيعلمونَ وعيدٌ لهم بطريقِ الاستئنافِ وتعليلٌ للردعِ، والسينُ للتقريبِ والتأكيدِ وليسَ مفعولُه ما ينبىءُ عنه المقامُ من وقوعِ ما يتساءلونَ عنه ووقوعِ ما يختلفونَ فيه كما في قولِه تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ} إلى قولِه تعالى: {لِيُبَيّنَ لَهُمُ الذي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} الآيةَ فإنَّ ذلكَ عارٍ عن صريحِ الوعيدِ بلْ هُو عبارةٌ عمَّا يلاقونَهُ من فنونِ الدَّواهِي والعقوباتِ، والتعبيرُ عن لقائِها بالعلمِ لوقوعِه في معرضِ التساؤلِ والاختلافِ والمَعْنى ليرتدعُوا عمَّا هُم عليهِ فإنَّهم سيعلمونَ عمَّا قليل حقيقةَ الحالِ إذا حلَّ بهم العذابُ والنكالُ.